فصل: الحكم السادس: ما هي أنواع القسم المذكورة في القرآن الكريم؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الحكم السادس: ما هي أنواع القسم المذكورة في القرآن الكريم؟

ورد القسم في القرآن الكريم على أنواع عديدة، وضروب شتى، إما من ناحية القسم نفسه، أو من ناحية المقسم عليه.
1- فجاء القسم بالذات العلية مثل قوله تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل مآ أنكم تنطقون} [الذاريات: 23] وقوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92].
2- وجاء القسم بأشياء من خلقه سبحانه مثل: {والتين والزيتون} [التين: 1] {والشمس وضحاها} [الشمس: 1] {والفجر وليال عشر} [الفجر: 1- 2].
3- وجاء القسم بالقرآن الكريم مثل: {ص والقرآن ذي الذكر} [ص: 1] {حم والكتاب المبين} [الزخرف: 1- 2] {ق والقرآن المجيد} [ق: 1].
4- وجاء أيضا على الشكل الذي معنا في الآيات الكريمة بلا النافية وفعل القسم مثل قوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس} [التكوير: 15- 16] وقوله: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] وقوله: {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] هذا من ناحية القسم.
أما من ناحية المقسم عليه فإما أن يكون.
1- أصول الإيمان كوحدانية الله سبحانه مثل قوله تعالى: {والصافات صفا} {إن إلهكم لواحد} [الصافات: 1- 4].
2- أو يكون المراد إثبات أن القرآن حق مثل الآية التي معنا {فلا أقسم بمواقع النجوم} {إنه لقرآن كريم}.
3- أو يكون المراد إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين} [يس: 1- 3].
4- أو يكون المراد نفي صفة ذميمة أتهم بها المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله: {ن والقلم وما يسطرون مآ أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 1- 2].

.الحكم السابع: هل يجوز القسم بغير الله سبحانه؟

أجمع العلماء على حرمة القسم بغير الله سبحانه، أو صفة من صفاته تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو فليذر» هذا بالنسبة للخلق، أما بالنسبة للخالق فله أن يقسم بما شاء من خلقه، لأن في القسم بالشيء تنبيها إلى عظمته وأهميته، والله سبحانه وتعالى قد أقسم بكثير من الآيات كما مر معنا تنبيها إلى شرفها وما حوت من إبداع وإتقان ليكون ذلك دليلا على عظمة خالقها جل وعلا.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو فليذر».

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا: القسم بالنجوم والأفلاك تنبيه على عظمة الخالق، المدبر الحكيم الذي أبدع هذا الكون.
ثانيا: القرآن كلام الله ليس بشعر، ولا بسحر، ولا كهانة، بل تنزيل الحكيم العليم.
ثالثا: الكتاب العزيز لم تتنزل به الشياطين، وإنما تنزلت به الملائكة الأطهار، فلا ينبغي أن يمسه إلا طاهر.
رابعا: القرآن مصون عن التبديل والتغيير، محفوظ عن الباطل، لأن الله تعالى قد تكفل بحفظه.
خامسا: ينبغي أن تقابل النعمة بالشكر والثناء لا بالجحود، والإنكار، والتكذيب.
سادسا: لو كان الإنسان غير مجازى بعمله لاستطاع أن يدفع عن نفسه شبح الموت.
سابعا: لابد من دار الجزاء وراء هذه الدنيا ليلقى فيها الإنسان نتيجة عمله.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
القرآن الكريم كتاب الله المجيد، ودستوره إلى عباده، ووحيه المنزل على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو آخر الكتب السماوية نزولا، وأشرفها مكانة ومنزلة، أودع فيه منزله هداية البشرية، وسعادة الإنسانية، وجعله نورا وضياء للعالمين.
ومن حق هذا القرآن المجيد أن يعظم، ومن واجب المسلمين أن يطبقوه في حياتهم، وأن يحلوه محل الصدارة من أنفسهم، تلاوة، وعملا وتطبيقا؛ ليسعدوا كما سعد آباؤهم من قبل.
ومن تعظيم القرآن الكريم ألا يمسه الإنسان إلا على طهارة، لأنه كلام الله، وكلام الله عظيم بعظمة الله، فلا يصح للمؤمن أن يتساهل في أمره، وأن يمسه بدون وضوء، فقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته لعمرو بن حزم «وألا يمس القرآن إلا طاهر» وكفى بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر القرآن تعظيما، وكفى ببيانه بيانا!!
وإذا كان القرآن الكريم قد عظم الله شأنه، فأنزله في أفضل الشهور (شهر رمضان) وفي أفضل الليالي (ليلة القدر) واختار الواسطة له الروح الأمين (جبريل) عليه السلام، وأخبر أنه {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} [عبس: 13- 16] أفلا يكون من واجب المسلمين أن يعظموا هذا الكتاب المبين غاية التعظيم، ويجلوه غاية الإجلال؟!
وإذا كان الملائكة الأطهار، والسفرة الأبرار هم الذين تشرفوا بمس هذه الصحف المطهرة، فأولى بأهل الأرض ألا يمسوه إلى على طهارة، تشبها بالملائكة الأطهار، وتفخيما لشأن هذا الكتاب العظيم الذي حفظه الله وصانه من التحريف والتبديل وصدق الله: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 41- 42]. اهـ.

.تفسير الآيات (88- 96):

قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: لا يقدر أحد أصلًا على ردها بعد بلوغها إلى ذلك المحل لأنا نريد جمع الخلائق للدينونة بما فعلوا فيما أقمناهم فيه وأمرناهم به ولا يكون إلا ما تريد، فكما أنكم مقرون بأنه خلقكم من تراب وبأنه يعيدكم قهرًا إلى التراب يلزمكم حتمًا أن تقروا بأنه قادر على أن يعيدكم من التراب فإن أنكرتم هذا اللازم لزمكم إنكار ملزومه، وذلك مكابرة في الحس فليكن الآخر مثله، فثبت أنا إنما نعيد الخلائق إلى التراب لنجمعهم فيه ثم نبعثهم منه لنجازي كلًا بما يستحق ونقسمهم إلى أزواج ثلاثة {فأما إن كان} أي الميت منهم {من المقربين} أي السابقين الذين اجتذبهم الحق من أنفسهم فقربهم منه فكانوا مرادين قبل أن يكونوا مريدين، وليس القرب قرب مكان لأنه تعالى منزهه عنه، وإنما هو بالتخلق بالصفات الشريفة على قدر الطاقة البشرية ليصير الإنسان روحًا خالصًا كالملائكة لا سبيل للحظوظ والشهوات عليه، فإن قربهم إنما هو بالانخلاع من الإرادة أصلًا ورأسًا، وذلك أنه لا شهوات لهم فلا أغراض فلا فعل إلا أمروا به فلا إرادة، إنما الإرادة للمولى سبحانه وهو معنى {وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} [النحل: 90] أي مطلق الإرادة في غير أمر من الله، لأن المملوك الذي هو لغيره لا ينبغي أن يكون له شيء لا إرادة ولا غيرها- وفقنا الله تعالى لذلك {فروح} أي فله راحة ورحمة ما ينعشه من نسيم الريح ومعنى قراءة يعقوب بالضم طمأنينة في القلب وسكينة وحياة لا موت بعدها {وريحان} أي رزق عظيم ونبات حسن بهج وأزاهير طيبة الرائحة.
ولما ذكر هذه اللذاذة، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال: {وجنات} أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه.
ولما كان جنان الدنيا قد يكون فيها نكد، أضاف هذه الجنة إلى المراد بهذه الجنان إعلامًا بأنها لا تنفك عنه فقال: {نعيم} أي ليس فيها غيره بل هي مقصورة عليه {وأما إن كان} أي الميت منهم {من أصحاب اليمين} أي الذين هم الدرجة الثانية من أصحاب الميمنة {فسلام} أي سلامة ونجاة وأمر وقول دال عليه.
ولما كان ما يواجه به الشريف من ذلك أعلى قال: {لك} أي يا أعلى الخلق أو يا أيها المخاطب.
ولما كان من أصاب السلام على وجه من الوجوه فائزًا، فكيف إذا كان مصدرًا للسلام ومنبعًا منه قال: {من أصحاب اليمين} أي أنهم في غاية من السلامة وإظهار السلام، لا يدرك وصفها، وهو تمييز فيه معنى التعجيب، فإن إضافته لم تفده تعريفًا، وفي اللام و{من} مبالغة في ذلك، فالمعنى: فأما هم فعجبًا لك وأنت أعلى الناس في كل معنى، وأعرفهم بكل أمر غريب منهم في سلامتهم وسلامهم وتعافيهم وملكهم وشرفهم وعلو مقامهم، وذلك كله إنما أعطوه لأجلك زيادة في شرفك لاتباعهم لدينك، فهو مثل قول القائل حيث قال:
فيا لك من ليل كأن نجومه ** بكل مقار العمل شدت يذبل

وقول القائل أيضًا حيث قال:
لله در أنو شروان من رجل ** ما كان أعرفه بالدون والسفل

أي عجبًا لك من ليل وعجبًا من أنو شروان.
ولما ذكر الصنفين الناجيين، أتبعهما الهالكين جامعًا لهم في صنف واحد لأن من أريدت له السعادة يكفيه ذلك، ومن ختم بشقائه لا ينفعه ذلك الإغلاظ والإكثار فقال: {وأما إن كان} أي ذلك الذي أخذناه من أصحاب المشأمة وأنتم حوله تنقطع أكبادكم له ولا تقدرون له على شيء أصلًا {من المكذبين}.
ولما كان المكذب تارة يكون معاندًا، وتارة يكون جاهلًا مقتصرًا، قال: {الضالين} أي أصحاب الشمال الذين وجهوا وجهة هدى فزاغوا عنها لتهاونهم في البعث {فنزل} أي لهم وهو ما يعد للقادم على ما لاح {من حميم} أي ماء متناه في الحرارة بعد ما نالوا من العطش كما يرد أصحاب الميمنة الحوض كما يبادر به القادم ليبرد به غلة عطشه ويغسل به وجهه ويديه {وتصلية جحيم} أي لهم بعد النزل يصلوا النار الشديدة التوقد صليًا عظيمًا.
ولما تم ما أريد إثبات البعث على هذا الوجه المحكم البين، وكانوا مع البيان يكذبون به، لفت الخطاب عنهم إلى أكمل الخلق، وأكد تسميعًا لهم فقال سائقًا له مساق النتيجة: {إن هذا} أي الذي ذكر في هذه السورة من أمر البعث الذي كذبوا به في قولهم {إننا لمبعوثون} ومن قيام الأدلة عليه.
ولما كان من الظهور في حد لا يساويه فيه غيره.
زاد في التأكيد على وجه التخصيص فقال: {لهو حق اليقين} أي لكونه لما عليه من الأدلة القطعية المشاهدة كأنه مشاهد مباشر، قال الأصبهاني: قال قتادة في هذه الآية: إن الله عز وجل ليس تاركًا أحدًا من الناس حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك، وأما المنافق فأيقن يوم القيامة حيث لا ينفعه- انتهى.
ولما تحقق له هذا اليقين، سبب عنه أمره بالتنزيه له سبحانه عما وصفوه به مما يلزم منه وصفه بالعجز بعد تقسيمه للأزواج الثلاثة على طريق الإيجاز كما أمره بذلك بعد الفراغ من تقسيمهم على طريق الإطناب إشارة إلى أن المفاوتة بينهم مع ما لهم من العقول من أعظم الأدلة على الفعل بالاختيار وعلى فساد القول بالطبيعة: {فسبح} أي أوقع التنزيه كله عن كل شائبة نقص بالاعتقاد والقول والفعل والصلاة وغيرها بأن تصفه بكل ما وصف به نفسه من الأسماء الحسنى وتنزهه عن كل ما نزه عنه نفسه المقدس، ولقصره الفعل لإفادة العموم أثبت الجار بقوله: {باسم ربك} أي المحسن إليك بما خصك به مما لم يعطه أحدًا غيرك عما وصفه به الكفرة من التكذيب بالواقعة، وإذا كان هذا لا سمه فكيف بما له وهو {العظيم} الذي ملأت عظمته جميع الأقطار والأكوان، وزادت على ذلك بما لا يعلمه حق العلم سواه لأن من له هذا الخلق على هذا الوجه المحكم، وهذا الكلام الأعز الأكرم، لا ينبغي لشائبة نقص أن تلم بجنابه، أو تدنو من فناء بابه، وقد انطبق آخر السورة على أولها في الإخبار بالبعث وتصنيف الخلائق فيه إلى الأصناف المذكورة في أولها أيّ انطباق، وزاد هذا الآخر بأن اعتنق بدليله أي اعتناق، واتفق مع أول التي بعدها أيّ اتفاق، وطابقه أجلَّ طباق، وختمت بصفتي الرحمة والعظمة، وجلت عن الاسم الجامع كاللتين قبلها لما ذكره في أواخر القمر من أنه لم يذكر في واحدة من الثلاث أحد من أهل المعصية المصاحبة للإيمان، ليخاطب بالاسم الجامع للإهانة والإحسان، وإنما ذكر أهل الكفران المستوجبين للهوان بالخلود في النيران، وأهل الإيمان المتأهلين للإحسان بتأبيد الإمكان في أعلى الجنان- انتهى. اهـ.